الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وعلى ءاله وصحبه وسلم.
بيان تفسير قوله تعالى:" حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ(3) " سورة المائدة
الله تبارك وتعالى حرّم في هذه الآية أشياء وهي:
1_ " الميتة" وهي التي زالت حياتها بغير ذكاة شرعية ولو بذبحٍ لم يستوفِ شرط الذبح بأن تموت بمرضٍ أو بذبحٍ من لا تحلُّ ذبيحته كالمجوسي الذي يعبد النار والملحِد الذي ينكر وجود الله، فذبيحة هؤلاء ميتة ولو ذبحوا كما يذبح المسلمون بقطع الحلقوم اي مجرى النفس والمريء أي مجرى الطعام والشراب ولو سمّوا الله أو كبّروه فلا تحل ذبيحة هؤلاء، ومثل هؤلاء المرتد كالذي يسبّ الله أو يستهزىء بالإسلام أو ينكر البعث بعد الموت أو يسب الملائكة
أما اليهودي والنصراني فتحل ذبيحتهما لأن هذين أحل الله لنا أن نأكل ذبائحهما إن ذبحا بالطريقة الإسلامية وقطعا الحلقوم والمريء بشىء له حد كحديد له شفر كالسكين فقد حلّت الذبيحة
فاليهودي والنصراني ذبيحتهما حلال بلا خلاف ولو لم يقل بسم الله، قال الله تعالى:" وطَعَامُ الّذين أُوتُوا الكِتَبَ حِلٌ لكُم " سورة المائدة.
إنما المسلم إن سمّى الله على ذبيحته هي حلال باتفاق العلماء أما إن ترك تسمية الله عمدًا قال أبو حنيفة ومالك والإمام أحمد " لاتحل ذبيحته وإن تركها سهوًا تحل ذبيحته " أما الإمام الشافعي رضي الله عنه يقول بأن ذبيحة المسلم سمّى الله أو لم يسمّ فهي حلال وإن ترك التسمية عمدًا.
2- {والدم} وهو محرّم سواء كان دم ذبيحة من الحيوانات المأكولة أو دم غيرها وسواء كان مائعا أو جمد بعد انفصاله من مخرجه بالوسائل المتبعة عندهم كما تعودوا في أوروبّا فهو حرام وأكله من الكبائر المجمع عليها.
والدم المسفوح السائل هو الذي حرّمه الله تعالى كما في قوله تعالى: {قل لا أَجِدُ في ما أُوحِيَ إليَّ محرّما على طاعمٍ يَطْعَمُهُ إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا} [سورة الأنعام/145
أما الدم غير السائل كالكبد والطحال حلال لأنهما ليسا دما مسفوحا، الله خلقهما في بطون البهائم جامدين فهما ليسا من الدم المحرّم. فمن أكل الكبد نَيْئًا أو مطبوخا أو مشويا فهو حلال وكذلك الطحال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أحلت لكم ميتتان ودمان السمك والجراد والكبد والطحال
أخرجه ابن ماجه في سننه
3- {ولحم الخنزير} أي كذلك حرم عليكم أكل لحم الخنزير سواء كان هذا الخنزير بريّا أو أهليّا يربى في المداجن والمنازل كما في بعض البلاد فهذا حرام سواء كان نيئا أو مطبوخا على النّار فلا تزول النّجاسة .
4- {وما أُهلَّ لغير الله به} أي ما ذبح لعبادة غير الله كتعظيم الأصنام، الشّيء الذي يذكر عليه اسم غير الله كما يفعل بعض الوثنيين لمّا يذبحون لأوثانهم يذبحون الذّبيحة ويذكرون عليها اسم ذلك الوثن فلا يجوز ذكر اسم غير الله على الذّبيحة ففي الجاهليّة كانوا يذبحون تقرّبا إلى هذه الشّياطين كذلك كانوا يذبحون لعبادة الأصنام كان عندهم وثن كبير يسمونه "هُبَل" وعندهم "مَناة" وعندهم "اللاّت" وعندهم "العّزَّى"
5- {والمنخنقة} البهيمة الّتي تؤكل إذا زالت حياتها بالخنق حرم أكلها فمن هنا يتبيّن فساد ما يفعله بعض الجهّال ومنهم من هو في عداد المسلمين من أنّهم وعلى طريقة الأوروبيّين يغرقون الدّجاج الحيّ بالماء المغليّ فتختنق ثم يقطّعونها فهذه لا يحلّ أكلها.
6- {والموقوذة} أي حرم عليكم الموقوذة أي أكلها حرام وهي البهيمة الّتي ضربت بالعصا أو بشيء ثقيل حتّى ماتت من قوّة الألم فأكلها حرام ولو ذبحها لا يجعلها حلالا وكذلك البهيمة الّتي ضربت بالمطرقة على جبهتها أو رأسها لتدوخ وتقع على الأرض ليسهل عليهم ذبحها فإن وصلت إلى حدّ أنها فقدت الحركة الاختياريّة لأنّها صارت في ءاخر رمق وصارت حركتها كحركة المذبوح فهذه لا تحلّ لأنّها لو تُركت بدون ذبح لماتت أما إذا داخت من الضّرب وبقيت فيها حركة عاديّة اختياريّة فهذه إذا ذُبحت فالذبح يحلّها لأنّها لم تفقد حركتها الاختياريّة. والّذي يضرب البهيمة هذا الضّرب حرام عليه لأنّ فيه تعذيب خلقٍ من خلقِ الله بدون سبب شرعيّ.
7- {والمتردّية}وهي البهيمة الّتي وقعت وتردّت من علوٍ كأنْ وقعت من أعلى الجبل فماتت فهذه حرام لا يحلّ أكلها.
8- {والنّطيحة} أي حرام عليكم أكل النطيحة وهي الّتي ماتت بالانتطاح مع بهيمة أخرى، مثلا كبش صار ينطح كبشا ءاخرَ فقتل أحد الكبشين الآخر فهذا الكبش الآخر المقتول ميتة لا يحلّ أكله.
9- {وما أكل السَّبُعُ} أي حرم عليكم ما أكل السّبع {إلاّ ما ذكّيتم} فالبهيمة الّتي أكلها السّبع كالأسد أو النّمر فماتت فهي حرام أما إذا أخذ منها السّبع شيئا من جسدها ولم يقتلها كأنْ أخذ من ألية الغنم ولم يقتلها ثمّ ذبحت فهي حلال لكنّ القطعة الّتي قطعها السّبع صارت ميتة حرام أكلها لأنّ الجزء الذي ينفصل عن حيوان وهو حيّ يكون كميتة ذلك الحيوان فألية الغنم إذا قطعت وهو حيّ فحكم هذه القطعة كحكم ميتته فلا يحلّ أكلها.
10- {وما ذُبِحَ على النُّصُبِ} أي حرم عليكم ما ذبح على النّصُب أي الأوثان وهي حجارة كانوا ينصبونها ويعبدونها من دون الله فيذبحون الذّبيحة تعظيما لها ويهريقون أي يصبّون دمها على هذا النّصب وهذا عندهم تعظيم لهذا الوثن وعبادة له فأكلها حرام.
- {وأنْ تستقسِموا بالأزلام} وهذا حرام وهي تسعة ثلاثة للبخت والنّصيب واحدة عليها افعل والثانية عليها لا تفعل والثّالثة ما عليها كتابة إذا حصل قتلٌ أو سفك دم بين القبائل، في الجاهليّة كانوا يستعملون ثلاثة من السّتّة الباقية لمعرفة من يتحمّل الدِّية والثّلاثة الباقية من الأزلام لإلصاق الولد أو نفيه أو إثباته كأنِ اتّهم زوجته بالزّنا، فمعنى وأنْ تستقسموا بالأزلام طلب الحظِّ والنّصيب بالسّهام الّتي كانت الجاهليّة يستعملونها، كانوا إذا أرادوا سفرا أو غير ذلك يضربون بهذه السّهام يخلطونها ببعضها ثم يخرج لهم الشّخص الموكّل بهذا الشّيء واحدا من غير أن ينظر فإن طلع السّهم المكتوب عليه افعل يمضي في تلك الحاجة يقول تنجح وإذا طلع السّهم المكتوب عليه لا تفعل يقول هذا الأمر لا ينجح وليس لي في هذه الحاجة حظٌّ فيترك هذا الأمر إنْ كان سفرا أو كان زواجا أو غير ذلك وإنْ طلعت الّتي ليست عليها كتابة يعيد الخلط. كانوا يعتمدون على هذه الأزلام أي السّهام وكانوا في الجاهليّة في مكة يستعملون هذا الشّيء ضمن الكعبة الشّريفة يأتي صاحب الحاجة يقول لهم أريد أن أستقسم أي أنْ أعرف حظّي ونصيبي فيخلط له هذا الشّخص الموكّل بالسّهامِ السّهامَ بعضها ببعض ثم يخرج له واحدا ليعمل بمقتضاه فهذا حرام من الكبائر لأنّه لا يعلم الغيب إلاّ الله.
قال الله تعالى: {ذ'لكم فسق} فهذه الأشياء الّتي ذكرت في هذه الآية كلّها من المحرّمات الكبيرة.
والله تعالى اعلم واحكم